همسـ دفئ الحــب ــات

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة . يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا -او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام لاسرة المنتدي سنتشرف بتسجيلك



شكرا

ادارة المنتدي


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

همسـ دفئ الحــب ــات

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة . يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا -او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام لاسرة المنتدي سنتشرف بتسجيلك



شكرا

ادارة المنتدي

همسـ دفئ الحــب ــات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
همسـ دفئ الحــب ــات

منتديات همسات دفئ الحب أقسامة رومانسية, عامة ، أدبيه ، أجتماعيه ، دينية ، نسائية به كل الاقسام

بكل الحب نرحب بالسادة الزوار والاعضــاء ونتمني أن يسعدوا معنا ونسعد بهم ونرجوا التفاعل من الجميع من أجل الارتقاء بالمنتدي

التبادل الاعلاني

دخول

لقد نسيت كلمة السر


2 مشترك

    قصه رفعت على سليمان الجمال ( رأفت الهجان )

    albasha
    albasha


    عدد الرسائل : 561
    العمر : 47
    تاريخ التسجيل : 10/01/2009

    قصه رفعت على سليمان الجمال ( رأفت الهجان ) Empty قصه رفعت على سليمان الجمال ( رأفت الهجان )

    مُساهمة من طرف albasha الثلاثاء يونيو 15, 2010 4:12 pm



    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    منذ ظهر أدب الجاسوسية إلى الوجود في عالمنا العربى مع بدايات ستينيات القرن العشرين، وعَبْر ما يزيد قليلاً عن أربعين عاماً طالعتنا قصص وعناوين مختلفة تدور معظمها عن عمليات قامت بها أجهزة المخابرات المصرية والعربية، أو حتى العالمية، وتردَّدت في العقول والأذهان، من خلال أوراق الصحف أو الكتب، أو شاشات السينما أو التليفزيون، أو الشبكات الإذاعية، أسماء العديد من الشخصيات، التي ساهمت في كتابة تاريخ المخابرات، سلباً أو إيجاباً.
    مثل (هبة سليم)، تلك الجاسوسة المثقفة، ذات الطابع الخاص جداً والتي لم تنجح مصريتها في كبت أحلام وتطلُّعات طموحاتها المتفجِّرة، فاندفعت بكل عقلها ونشاطها، ومواهبها المتعدِّدة، نحو طريق الخيانة، وطرحت هويتها تحت أقدام المخابرات الإسرائيلية، التي أوهمتها بأحلام التفوّق والقوة والنجاح والتي لم تستيقظ منها، إلا وحبل المشنقة يلتفّ حول عنقها الجميل. قبل حتى أن يعرف العامة قصتها، ويتابعون خيانتها على شاشة السينمامن خلال أوَّل وأقوى فيلم عن عمليات المخابرات (الصعود إلى الهاوية) والذي قدَّمها فيه الراحل المبدع (صالح مرسى) تحت اسم (عبلة كامل) مع تلك العبارة الشهيرة التي انحفرت لروعتها في كل الأذهان:
    (هي دي مصر يا عبلة)..
    أيضاً أتحفنا التليفزيون المصرى، في بداية التسعينيات، بقصة (أحمد الهوَّان) ذلك المصري البسيط الذي لعب دوراً مزدوجاً مدهشاً لخداع المخابرات الإسرائيلية وانتزاع واحد من أفضل وأحدث أجهزة الاتصال -أيامها- من بين أنياب ذئابهافي مسلسل حمل طابعاً فريداً
    في ذلك الحين، باسم (دموع في عيون وقحة)
    منح خلاله الأستاذ
    (صالح مرسى) رائد أدب الجاسوسية العربي
    لبطل القصة الحقيقى اسماً يتناسب معه إيقاعياً كعادته (جمعة الشوَّان)..

    ولكن، ومع كل ما ظهر إلى الوجود -عربياً- عبْر هذا النوع من الأدب، لم يحظ جاسوس واحد، بكل ذلك الاهتمام وكل تلك الشهرة، المحلية والعالميةأكثر من
    رفعت علي سليمان الجمَّال
    الأسم الحقيقى : رفعت على سليمان الجمال ( رأفت الهجان ) الاسم الحركىالأسمالحقيقى فى اسرائيل : جاك بيتون ( ديفيد تشارل سمحون) الاسم الحركىتاريخالميلاد : 1 / 5 / 1927تاريخ الوفاة : 30 / 1 / 1982الرمز الكودى داخلجهاز المخابرات : 313تاريخ بداية المهمة : 1953تاريخ السفر الى اسرائيل : 1955
    تاريخ نهاية المهمة : 1973
    ومنذ ظهور قصة (رفعت الجمَّال) إلى الوجود، كرواية مسلسلة حملت اسم (رأفت الهجَّان)، في 3 يناير 1986م في مجلة المصور المصرية
    ولأن الأمر قد تحوَّل، من مجرَّد رواية في أدب الجاسوسية تفتح بعض ملفات المخابرات المصرية،
    إلى صرعة لا مثيل لها، ولهفة لم تحدث من قبل، وتحمل اسم (رأفت الهجان)،
    فقد تداعت الأحداث، وانطلق الخيط بلا حدود،وراحت عشرات الصحف تنشر معلومات جديدة في كل يوم، عن حقيقة ذلك الجاسوس المدهش، الذي زرعته المخابرات المصرية في قلب (إسرائيل)، لينشئ ويدير واحدة من أقوى شبكات الجاسوسية،ويبرع في خطة خداع عبقرية، ومنظومة مخابراتية رفيعة المستوى،عبر ثمانية عشر عاماً كاملة، دون أن ينكشف أمره لحظة واحدة،
    على عكس ما يدّعي الإسرائيليون الآن..

    ومن بين كل المقالات، والأحاديث، والكتب العديدة، التي تحدَّثت عن (رفعت الجمَّال)،
    وحاولت كشف حقيقته، وهويته، وأسرار حياته، وبداياته، ومغامرته المذهلة،
    في قلب المجتمع الإسرائيلى،
    لن تجد أفضل، أو أقوى، أو أكثر جذباً للانتباه، وإطلاقاً للفكر، من هذا الكتاب،
    الذي نستعرضه اليوم (18 عاماً خداعاً لإسرائيل - قصة الجاسوس المصري- رفعت الجمَّال)..

    وقوة هذا الكتاب لا تكمن في ما يحويه من صور نادرة،ومعلومات لم تنشر من قبل، عن حقيقة (رفعت الجمَّال)،ولافي التفاصيل المدهشة، التي تختلف كثيراً، في بعض مواضعها،عما قرأناه في الرواية، أو شاهدناه على شاشات التليفزيون، وإنما تكمن فيما اعتبره قنبلة حقيقية، لم تتفجرَّ في لغتنا العربية قط، في مثل هذا النوع من الأدب.

    تكمن في أنه يحوي فصلاً كاملاً، كتبه (رفعت الجمَّال) بنفسه،عن قصة حياة (رفعت الجمَّال)، الجاسوس المصري الأشهر..

    والكتاب في مجمله هو مذكرات كتبتها (فلتراود هاينريتش شبالت)،التي عُرفت فيما بعد باسم (فلتراود بيتون)، أرملة (جاك بيتون)، وهو ذلك الاسم، الذي عُرف به (رفعت الجمَّال)،منذ تحوَّل إلى هوية يهودية، والذي حمله في (إسرائيل)،وفي (ألمانيا) رسمياً، حتى لحظة وفاته..

    إذا ما ابتعت الكتاب سيمنحك الكثير من المعلومات الهامة،واللمحات شديدة الخطورة، بشأن شخصية (جاك بيتون)، وتغلغله القوى، في قلب المجتمع الإسرائيلى

    وبالذات ذلك الجزء الذي تقول فيه (فلتراود) في مذكراتها الشخصية:
    "قضيت أياماً أضفي "لمسة المرأة" على الشقة، وذات يوم، وأنا عاكفة على تنظيف المسكن دق جرس المنزل، وعندما فتحت الباب،لم أر للوهلة الأولى سوى باقة كبيرة من الأزهار،وما إن انخفضت الباقة قليلاً، حتى طالعتني أعرض ابتسامة عرفتها..رأيت رجلاً واقفاً أمامى، وعلى إحدى عينيه عصابة من القماش الأسود،قدَّم إليَّ باقة الورد، قائلاً :
    - أردت فقط أن أشاهد الغلطة، التي ارتكبها جاك بيتون.ثم انصرف لا يلوي على شئ.
    أدركت أنه موشي ديان، وعرفت بعد ذلك أنه أقرب أصدقاء جاك.."..

    وفقاً لرواية (فلتراود)، كانت توجد إذن صداقة قوية بين وزير الدفاع الإسرائيلي السابق شخصياً،
    وبين (جاك بيتون)، الجاسوس المصري، الذي زرعته المخابرات العامة، في قلب (إسرائيل)..
    فياللخطورة!
    ويا للقوة!..

    ولم تكتف (فلتراود) بهذا القدر في روايتها، وإنما تقول في موضع آخر:
    "كان أقرب الأصدقاء لنا هم موشي ديان،وجولدا مائير، وبن جوريون، وعزرا وايزمان،
    وكان جاك وموشي وعزرا أشبه بالفرسان الثلاثة، وكانوا عندما يجتمعون معاً،نادراً ما يعكر صفوهم أي شئ، كانت حياتهم معاً مزاحاً في مزاح،

    أما جولدا مائير وبن جوريون فكانا بمثابة الأبوين بالنسبة له.لقد تقبَّلاني برضاً وترحاب وأبْدَيَا عطفاً كبيراً نحوي،وكثيراً ما كانت جولدا مائير تسألني عما إذا كان جاك يحسن معاملتي أم لا..؟"

    إذن فالجاسوس المصري، حسبما تذكر (فلتراود)،
    كان صديقاً لأكبر ثلاثة أسماء في (إسرائيل) كلها، في ذلك الحين!!..
    هل يمكنك أن تدرك ما الذي يمكن أن يعنيه هذا،
    وأي نجاح ذلك، الذي حققه رجلنا في (تل أبيب)؟!!..

    وبغض النظر عن تلك الوقفات المثيرة للدهشة والتساؤل،
    فهذا الفصل من الكتاب يمضي مع ذكريات (فلتراود) حتى لحظة وفاة زوجها (جاك بيتون)، في الثلاثين من يناير 1982م، في (دارمشتاد) في (ألمانيا)..

    ينتقل بنا الكتاب إلى الجزء الثاني والخطير، والأكثر أهمية في الكتاب كله..
    إلى قصة حياة (رفعت الجمَّال)، كما رواها هو… شخصياً..

    وهذا الجزء هو الترجمة الحرفية لعدد كبير من الصفحات،التي كتبها (جاك بيتون) بخط يده،
    باللغة الإنجليزية وتركها لدى محاميه؛ليسلّمها إلى زوجته (فلتراود)،بعد فترة حدَّدها بثلاث سنوات من وفاته،باعتبار أنها ستكون فترة كافية لتستعيد تماسكها،واستعادة قوتها، بحيث يمكنها تحمُّل الصدمة التي ستشعر بها،عند قراءتها مذكراته الخاصة، كما يقول بنص كلماته، في مقدِّمة المذكرات، و..

    يبدأ (رفعت في رواية قصة حياته، منذ مولده، في مدينة (دمياط)،في الأوَّل من يوليو 1927م، لأب ( علي سليمان الجمّال)، تاجر فحم بالجملة، وأم (رتيبة علي أبو عوض)، من أسرة راقية، تتحدَّث الإنجليزية والفرنسية، اللتين تعلمتهما في إحدى المدارس الخاصة..وفي بداية مذكراته، يتحدَّث (رفعت علي سليمان الجمَّال) عن أخيه غير الشقيق (سامي)، وعن شقيقه (لبيب) و(نزيهة)،
    ويؤكِّد احترامه وتقديره الشديدين للأخ غير الشقيق (سامي)،الذي تولَّى شئون الأسرة كلها، بعد وفاة الأب عام 1936م،والذي كان مدرساً خصوصياً للغة الإنجليزية، لأخوي الملكة (فريدة)، مما يعني أنه كان يتمتَّع بمكانة محترمة للغاية..

    وفي (مصر الجديدة)، نشأ (رفعت) وترعرع، تحت رعاية (سامي)، الذي نقل الأسرة كلها إلى (القاهرة)، بعد وفاة الوالد،والتحق (رفعت) هناك بمدرسة للتجارة المتوسِّطة،وهو في الرابعة عشرة من عمره، بناءً على ضغط الأسرة،التي رأت أن طبيعته غير المسؤولة، لن تساعده على النجاح في التعليم الجامعى..


    وفي مدرسته التجارية المتوسِّطة، انبهر (رفعت) بالبريطانيين، الذين كانوا يقاومون الجيوش النازية باستماتة، مما دفعه إلى التحدُّث بالإنجليزية، بلكنة بريطانية، كما تعلَّق كثيراً بأستاذه الباريسي،
    الذي علَّمه أن يتحدَّث الفرنسية بلكنة الفرنسيين،حتى أجاد اللغتين، وبرع في التحدُّث بهما، مما كان له أبلغ الأثر في مستقبله فيما بعد..

    وفي تلك الفترة أيضاً، كان للسينما سحر كبير، في نفوس الشباب، في كافة أنحاء العالم،مما جذب انتباه (رفعت)، وغرامه، وطموحه، إلى الحد الذي جعله يحلم بالعمل في السينما ذات يوم، حتى أنه، وأثناء رحلة مدرسية إلى ستوديوهات السينما، تسلَّل إلى حجرة الفنان (بشارة واكيم)،
    وراح يقلِّد أدواره، حتى ضبطه الممثل الكبير متلبساً، وراق له ما يفعله، فسأله عن اسمه وأسرته،
    ثم نصحه بالاهتمام بدارسته أوَّلاً، والعودة بعد الانتهاء منها،للبحث عن دور في عالم السينما..

    وفي ذلك اليوم، شعر (رفعت) الصبي بنشوة غامرة،وقرَّر أن يكمل دراسته، ليصبح ممثلاً..وفي بدايات عام 1943م، تزوَّجت شقيقته (نزيهة) من الملازم أوَّل (أحمد شفيق)، وانتقلت الأم إلى (دكرنس)، واستعد (سامي) للزواج من ابنة (محرم فهيم)، رئيس نقابة المحامين - آنذاك - وأصبح من الضروري أن ينتقل (رفعت) مع شقيقه (لبيب)، الذى أصبح محاسباً في بنك (باركليز)، إلى شقة أخرى،استأجرها لهما (سامي)، بالقرب من ميدان (لاظوغلي)..ووفقاً لمذكراته، التقى (رفعت) بالممثل (بشارة واكيم) مرة أخرى، في عام 1945م، فتذكَّره الرجل، ومنحه دوراً صغيراً في أحد أفلامه ....

    لتتغيِّر بعدها حياته تماماً؛ فمع الزهو الذى شعر به، مع عرض الفيلم، على الرغم من صغر دوره، بدأ زملاء الدراسة يعاملونه كنجم سينمائي،وأحاطوه باهتمامهم، وأسئلتهم، وغيرتهم أيضاً،مما ضاعف من إحساسه بالثقة، وساعده على إنهاء دراسته...

    في صيف 1946م، ليعمل مرة أخرى، في أفلام الفنان (بشارة واكيم)،
    ويلتقي بأوَّل حب في حياته.. (بيتي)..

    وعلى الرغم من أن مذكرات (رفعت) تحمل اسم (بيتي)،التي وصفها بأنها راقصة شابة، مراهقة وطائشة، وتكبره بعام واحد،إلا أن بعض الآراء تعتقد أن المقصود هنا هو الراقصة (كيتي)،اليهودية الشابة، التي تورَّطت فيما بعد، مع شبكة جاسوسية أخرى،وفرَّت تحت جنح الظلام من (مصر) كلها،
    ولم تُسمع أخبارها بعدها قط.

    انتقل رفعت للعيش معها، مما أثار غضب (لبيب) الأخ،وتسبَّب له في مشكلات عائلية عديدة، جعلته يتخلَّى فى النهاية عن (بيتي)،وعن العمل فى السينما، ليتقدَّم بطلب وظيفة لدى شركة بترول أجنبية، على ساحل البحر الأحمر، ويفوز بها بجدارة, بسبب إجادته للفرنسية والإنجليزية بطلاقة..

    ولقد نجح (رفعت) فى عمله إلى حد كبير،وبالذات لأنه يعمل في (رأس غارب)،على مسافة تقرب من مائتي كيلو متر، بعيداً عن (القاهرة)،التي فر من مشاكله العديدة بها،ورفض بإصرار العودة إليها، عندما تم نقله إلى الفرع الرئيسي بها، كنوع من الترقية..ورفض (رفعت) الترقية،ورفض الوظيفة كلها، وتحيَّن فرصة لقائه برجل أعمال سكندري،ربطته به علاقة وثيقة أثناء عمله، ليطلب منه العمل لديه،ولينتقل بعدها بالفعل إلى (الإسكندرية).. وارتبط (رفعت) برجل الأعمال الاسكندري هذا ارتباطاً وثيقاً،وشعر في منزله بدفء الأسرة، الذي افتقده طويلاً، بل وخفق قلبه هناك بحب (هدى)، ابنة رجل الأعمال، الذي لم يعترض على نمو هذه العلاقة،بعد أن اعتبر أن (رفعت) بمثابة ابنه، الذي لم ينجبه أبداً..
    وكان من الممكن أن ينمو هذا الحب، ويزدهر، وينتهي بزواج،واستقرار، وأسرة بسيطة وسعيدة، و…
    ولكن القدر كان يدخر مفاجأة كبيرة لبطلنا، هي بالضبط مهمة متابعة، لفرع الشركة في (القاهرة)،
    وفي عام 1949 طلب منه صاحب الشركة السفر الى القاهرة لأنه غير مطمئن للمدير هناك وطلب منه مراجعه اعماله. وسافر رفعت الى القاهره وراجع اعمال مدير الفرع فلم يجد ما يثير الريبه وتسلم منه الخزانه وراجع ما فيها دون ان يدري انه يمتلك مفتاحا ثانيا لها، وفي اليوم التالي اكتشف ضياع الف جنيه من الخزانه.واصبح هو من الناحية الرسمية المسئول عن ضياع المبلغ،
    واتصل مدير الفرع برئيس الشركة بالإسكندرية وابلغه انه عثر على المبلغ في غرفته وهو ما لم يحدث،وعاد رفعت الى الإسكندرية وقال له رئيسه انه يصدقه لكنه لا يستطيع الإبقاء عليه فى وظيفته تجنبا لإجراء اى تحقيقات رسمية لكنه ايضا رتب له عمل آخر مع صديق له يدير شركة ملاحه بحرية على متن سفينة الشحن (حورس)..ولم يكن امام رفعت خيار آخر.....

    وبدأ رفعت العمل كمساعد لضابط الحسابات على سفينة الشحن وبعد أسبوعين من العمل غادر مصر لأول مرة في حياته على متن السفينة.وطافت "حورس" طويلا بين الموانئ؛ نابولي، جنوة، مارسيليا، برشلونة، جبل طارق، طنجة .. وفي النهاية رست السفينة في ميناء ليفربول الإنجليزي
    لعمل بعض الإصلاحات وكان مقررا أن تتجه بعد ذلك إلى بومباي الهندية ولما كان من المفترض أن تبقى السفينة لمدة ليست بالقصيرة في ليفربول فقد بدأ رفعت في أستكشاف المكان وتولت الأقدار أمر تعارفه بـ "جودي موريس" وهي فتاة انجليزية ذكرته كثيرا ببيتي التى كان يعرفها في مصر،
    غير أن جودي كانت تختلف كثيرا فقد كان والدها شخصية نقابية هامة في انجلترا.

    ولما أصبحت "حورس" جاهزة للرحيل تمسكت جودي برفعت وطالبته بالبقاء معها لبعض الوقت
    لكنه لم يكن مستعدا لخسارة وظيفته أو البقاء في انجلترا بطريقة غير مشروعة، غير أن جودي أوضحت له أن كثيرا من البحارة يضطرون إلى إستئصال الزائدة الدودية وبذلك يتخلفون عن اللحاق بسفنهم وينتظرون إلى أن تعود مرة آخرى كما أن والدها يستطيع مساعدته في الحصول على تصريح إقامة ومن ثم أدعى رفعت الألم وأجرى عملية إستئصال الزائدة الدودية وهو لا يشكو حقيقة منها بأي ألم! وعقب تماثله للشفاء التحق بالعمل لدى والد جودي في الميناء بعد أن رتب له الوالد تصريحا بالعمل. وسارت الأمور طبيعية بعض الوقت إلى أن شعر رفعت أن الأمور تتطور في غير صالحه خاصةبعد أن تعلقت جودي به كثيرا وأعلنت صراحة رغبتها في الزواج منه، ولما كان قد أيقن أنها لا تصلح له كزوجه ، فقد أنتهز أول فرصة حينما عادت "حورس" إلى ليفربول ليودعها عائدا إلى حياة البحر
    وعاد إلى (مصر)، في مارس 1950، إلا أنه لم يلبث أن عمل على متن سفينة شحن فرنسية،
    سافر معها إلى (مرسيليا)، ثم هجرها إلى (باريس)، حيث أجاد اللغة الفرنسية إجادة تامة,
    ومرة أخرى، وبتأشيرة زيارة قصيرة، سافر (رفعت) إلى (بريطانيا)، بحجة استشارة الطبيب، الذي أجرى له عملية الزائدة، وهناك ساعده قس مسيحي، كان قد طلب منه في زيارته الأولى
    لليفربول أن يعلمه ما يعرفه عن الإسلام، في الحصول على وظيفة جيدة في وكالة سفريات
    واستقر ليعمل هناك في وكالة للسفريات، تحمل اسم (سلتيك تورز).. وفي هذه المرة أيضاً،
    أظهر رفعت كفاءة كبيرة في عمله الجديد ونجح في إقناع رئيسه في محاولة الحصول على موافقة السفارة المصرية بلندن على أن تتولى "سلتيك تورز" تنظيم سفر الدبلوماسيين المصريين والحاصلين على منح دراسية من وإلى انجلترا وأقتنع رئيسه ونجح رفعت في مهمته وعاد إلى الوكالة بعقد مربح بلغت عمولته عنه 2000 جنيه استرليني وهو مبلغ رهيب بالنسبة لهذا الزمن.
    وقبل أن تمر خمسة شهور على هذه الصفقة زادت أرباح وكالة السفريات وزادت مدخراته إلى 5000 جنيه استرليني وضعها في بنك أمريكان أكسبريس مقابل شيكات سياحية بنفس القيمة.
    ومع النجاح الذي حققه في عمله، كان من الممكن أن يستقر (رفعت) في (لندن)،وأن يحصل على إقامة رسمية بها، بل وأن يصبح من كبار خبراء السياحة فيها، لولا أنه فكر في تكرار تجربته مع السفارة المصرية في نيويورك وأقنع رئيسه بالفكرة وسافر بالفعل على الفور إلى نيويورك.
    لكنه لم يكن يعلم أنه لن يعود مرة آخرى... وأثناء قيامه بعقد صفقة لحساب الشركة في (نيويورك)،
    تلقَّى عرضاً من صاحب شركة أمريكية، بدا له مناسباً للغاية، فقبله على الفور، ودون تفكير، وقرَّر الإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية لبعض الوقت، دون تأشيرة عمل رسمية، أو بطاقة ضمان اجتماعي خضراء.. ولعل هذا أسوأ قرار اتخذه (رفعت الجمَّال) في حياته، أو كأن القدر كان يدخر له بالفعل ذلك الدور، االذي صنع منه حالة فريدة في عالم الجاسوسية، ويدفعه إليه دفعاً بلا هوادة..

    فمنذ اتخذ قراره هذا، اضطربت حياة (رفعت) تماماً.. إدارة الهجرة بدأت تطارده، وصاحب العمل تخلّى عنه، وتم وضع اسمه فى القائمة السوداء في (أمريكا)، مما اضطره للهرب إلى (كندا)، ومنها إلى (فرانكفورت) في (ألمانيا)، التي حصل على تأشيرة ترانزيت بها، باعتبارها مجرَّد محطة، للوصول إلى (النمسا).. ولكن عبثه أيضاً صنع له مشكلة ضخمة في فرانكفورت و للا سف سرقت منه نقودة و جواز سفر ففي تلك الفترة بالذات، كان الكثيرون من النازيين السابقين، يسعون للفرار من (ألمانيا)، ويشترون، في سبيل هذا، جوازات سفر أجنبية.. ولقد اتهمه القنصل المصري هناك بأنه قد باع جواز سفره، ورفض أن يمنحه وثيقة سفر بدلاً منه، ثم لم تلبث الشرطة الألمانية أن ألقت القبض عليه، وتم سجنه لبعض الوقت، قبل أن يرحل قسراً، على متن أوَّل طائرة، عائداً إلى البلد الذي جاهد للابتعاد عنه.. إلى (مصر)..هناك بدأت مرحلة جديدة..وخطيرة


    مع عودة (رفعت) إلى (مصر)، بدون وظيفة، أو جواز سفر، وقد سبقه تقرير عما حدث له في (فرانكفورت)، وشكوك حول ما فعله بجواز سفره، بدت الصورة أمامه قاتمة إلى حد محبط،
    مما دفعه إلى حالة مؤسفة من اليأس والإحباط، لم تنته إلا مع ظهور فرصة جديدة، للعمل في شركة قناة (السويس)، تتناسب مع إتقانه للغات.. ولكن الفرصة الجديدة كانت تحتاج إلى وثائق، وأوراق، وهوية.. وهنا، بدأ (رفعت) يقتحم العالم السفلي، وتعرَّف على مزوِّر بارع، منحه جواز سفر باسم (علي مصطفى)، يحوي صورته، بدلاً من صورة صاحبه الأصلي.. وبهذا الاسم الجديد، عمل (رفعت) في شركة قناة (السويس)، وبدا له وكأن حالة الاستقرار قد بدأت.. ولكن هيهات… لقد قامت ثورة يوليو1952م، وشعر البريطانيون بالقلق، بشأن المرحلة القادمة، وأدركوا أن المصريين يتعاطفون مع النظام الجديد، فشرعوا في مراجعة أوراقهم، ووثائق هوياتهم، مما استشعر معه (رفعت) الخطر، فقرَّر ترك العمل، في شركة قناة (السويس)، وحصل من ذلك المزوِّر على جواز سفر جديد، لصحفي سويسري، يُدعى (تشارلز دينون).. والمدهش أن (رفعت) قد قضى بعض الوقت، في أحد الفنادق الدولية الكبرى، منتحلاً شخصية (دينون)، دون أن ينكشف أمره لحظة واحدة،
    أو يُدرك مخلوق واحد، ممن يتعامل معهم يومياً، أنه ليس صحفياً، بل وليس حتى سويسرياً، بل مجرَّد شاب مصري، يحمل شيكات سياحية، قيمتها اثنا عشر ألف دولار أمريكي، هى نتاج عمله في شركة (سلتيك تورز) البريطانية، مما يثبت مدى براعته، وقدرته المدهشة على إقناع وخداع كل من حوله، وتمكُّنه المدهش من اللغات ولكناتها أيضاً..

    وبسبب بعض المتغيرات السياسية، في عام1953م، بدأت عملية مراجعة لأوراق الأجانب في (مصر)،مما اضطر (رفعت) إلى إنهاء إقامته في ذلك الفندق الدولي، الذى لم يُسدِّد فاتورته على الأرجح؛ لأنه قرَّر أن يغيِّر هويته مرة أخرى، وحصل بالفعل على جواز سفر جديد، باسم البريطانى (دانيال كالدويل).. وبأسلوب إيقاف السيارات (الأوتوستوب)، اتجه (رفعت) نحو حدود (ليبيا)، وقد وقر في نفسه أنه لم يعد أمامه سوى أن يغادر (مصر) كلها.. ولقد سار كل شيء على ما يرام، حتى بلغ نقطة الحدود نفسها، وقدَّم للضابط البريطاني عندها جواز سفره البريطاني، بمنتهى الثقة والبساطة، وهو يتحدَّث معه بلكنة بريطانية صرفة.. ولكن الأمور لم تكن تسير لصالحه هذه المرة..
    ففي ذلك الحين، كان الكثيرون من الجنود البريطانيين يفرون من وحداتهم في (الإسكندرية)، ويحاولون عبور الحدود إلى (ليبيا)، كما كان العشرات من اليهود يسعون لتهريب أموالهم،
    عبر الحدود نفسها، مما جعل الضابط البريطاني يطالبه بإفراغ كل ما تحويه جيوبه أمامه،
    فلم يتردَّد (رفعت) لحظة واحدة، وبدا شديد الهدوء والثقة، وهو يفرغ جيوبه أمام البريطاني، الذي التقط الشيكات السياحية، وفحصها في اهتمام بالغ، قبل أن يسأله عما يعنيه كون الشيكات محرَّرة لاسم (رفعت الجمَّال)، في حين أن جواز السفر يحمل اسم (دانيال كالدويل)..
    وهنا، ارتكب (رفعت) أكبر حماقة في حياته، عندما قال: إنه سيوقَّع تلك الشيكات باسم (رفعت الجمَّال)، مما اعتبره البريطاني بادرة شك، فألقى القبض عليه، وأعاده إلى (القاهرة) مع تقرير يشير إلى أنه لا يبدو مصرياً، أو حتى بريطانياً، وأنه على الأرجح (دافيد أرنسون) آخر.. و(دافيد أرنسون) هذا ضابط يهودي، كان مستشاراً للقائد التركي (جمال باشا) في (دمشق) يوماً ما،
    ضمن شبكة تجسُّس يهودية، انتشر أفرادها في الإمبراطورية العثمانية.. ولكن سلطات التحقيق في (مصر) لم تكن لديها خلفية تاريخية مناسبة، لتستوعب هذا الأمر، لذا فقد اتهمت (رفعت) بأنه يهودي، يحمل اسم (دافيد أرنسون)، وجواز سفر باسم (دانيال كالدويل)، وشيكات سياحية باسم (رفعت الجمَّال)، ولقد زاد هو الطين بلة -حسبما قال في مذكراته- عندما تحدَّث بالعربية،
    ليثبت التهمة على نفسه، مما جعلهم يرسلونه إلى (القاهرة)، وإلى (مصر الجديدة) بالتحديد؛ لأنها الجهة الوحيدة، التي عثروا فيها على اسم (رفعت الجمَّال).. فقد أعيد استجواب (رفعت) في قسم (مصر الجديدة)، وحار الكل في شأنه، وافترض بعض الجنود، والضباط، وحتى المساجين، أنه بالفعل يهودي مصري، و… وفجأة، زاره ذلك الرجل.. أهم وأخطر نقطة تحوّل، في مسار حياته كلها، حيث يقول: رأيت في انتظاري رجلاً ضخم البنية، يوحى بالجدية، يرتدي ملابس مدنية، هادئ الصوت في ود حين يلقي أوامره. وجه كلامه للحارس الذى اصطحبني قائلاً: - يمكن أن تتركنا الآن وحدنا. واتجه ناحيتي وطلب مني الجلوس. جلست. وفي داخلي قلق حقيقي. يسيطر عليَّ مزاج عنيد وملل وضيق مما سيأتي، فقد سئمت وضقت ذرعاً من القيود التي وضعوني فيها.
    وعندما قدم لى الجالس قبالتي سيجارة ثنيت يدي في هدوء فانسلتا خارج القيد الحديد. تردد الرجل لحظة، ولكنه لم ينطق بشيء، ولم يستدع الحارس. فقط جلس خلف مكتبه،
    الذي أجلس قبالته، وقد رسم على شفتيه ابتسامة وهو يتطلع إلىَّ. قدّم لي نفسه قائلاً:
    - اسمي حسن حسني من البوليس السياسي.
    قفزت إلى رأسي علامة استفهام كبيرة: ما علاقتي أنا بالبوليس السياسي؟

    استطرد الرجل قائلاً: - لا أستطيع أن أخاطبك باسمك لأنني لا أعرف أي اسم أستخدم من أسمائك الثلاثة.يجب أن تعرف أن قضيتك صعبة جداً. ليس المسألة خطورة جرائمك، بل لأننا ببساطة لا نعرف من أنت. إن الثورة في بلدنا لا تزال حديثة عهد، بلا خبرة أو استعداد. ونحن لا نستطيع إصدار وثائق إثبات الشخصية للجميع لأننا لا نملك الوسائل اللازمة ولا العاملين اللازمين لذلك. وكما ترى فإنني صريح معك. وحيث إنك حتى هذه اللحظة مجرد مشتبه فيه، فالواجب يقضي بأن لا تبقى في الحجز أكثر من يومين. بعد هذا لابد من عرضك على قاض أو إطلاق سراحك. ولكن يجب أن نتحفظ عليك حتى تفصح لنا عن حقيقة هويتك. نحن في ثورة ولسنا على استعداد لتحمل أية أخطاء في هذه المرحلة.
    أنصت إليه بانتباه محاولاً تصور ما يرمى إليه. واستطرد قائلاً:
    - أود أن أغلق قضيتك.
    لا يوجد أي بلاغ عن سرقة جواز سفر بريطاني باسم (دانييل كالدويل). ولا أستطيع أن أفسر كيف ظهر في ملفك أنك يهودي باسم (ديفيد آرونسون). ثم إن (رفعت الجمَّال) لا توجد اتهامات ضده
    ولا أبلغ هو عن سرقة أى شيكات سياحية. سأدعك تخرج إلى حال سبيلك شريطة أن أعرف فقط من أنت على حقيقتك. والآن ما قولك؟ قلت له : - ألا تريد أن تخبرني لماذا أنت مهتم بي؟
    واضح أنني لست هنا بسبب اتهام ما.
    وكان رده:
    - أنا معجب بك. إجابتك أسرع مما توقعت.
    تصورت أنه ما دام من البوليس السياسي، وهو ما أصدقه، فليس من المنطقي أن يعرفني باسمه مع أول اللقاء إلا إذا كان على يقين من أمري.
    كان البوليس السياسي في ذلك الوقت نوعاً من المخابرات. وعلى الرغم من ادعائه أنهم لا يملكون الإمكانيات
    إلا أنهم كانوا يعملون بدأب شديد.استطرد قائلاً:
    - أنا مهتم بك. فقد تأكد لنا أنك قمة في الذكاء والدهاء.
    لقد أثرت حيرة الرسميين إزاء الصور التي ظهرت عليها حتى الآن.
    قد تكون إنجليزياً أو يهودياً أو مصرياً.
    غير أن ما أثار اهتمامي كثيراً بشأنك هو أن أحد رجالنا الذين
    دسسناهم بينكم في حجز الإسكندرية أفاد بأن جميع
    النزلاء اليهود الآخرين اعتقدوا عن يقين أنك يهودي.
    دهشت للطريقة التي يعملون بها.
    لقد وصل بهم الأمر إلى حد وضع مخبرين داخل السجن
    للتجسس على الخارجين على القانون.
    وواصل حسن حسني حديثه قاصداً مباشرة إلى ما يرمي إليه فقال:
    - يجب التزام الحذر. أعداء الثورة في كل مكان ويريدون
    دفع مصر مرة ثانية إلى طريق التبعية للأجانب وكبار الملاك الزراعيين.
    بيد أن هذا موضوع آخر. فأنت كإنجليزي لا يعنيك هذا في كثير أو قليل.
    وأنا على يقين من أنك لا تضمر كراهية للشعب المصري.
    انفجرت فجأة قائلاً:
    - هذه إهانة أنا مصري، وحريص كل الحرص على مصر وشعبها.
    صحت وصرخت بأعلى صوتي لهذه الإهانة التي وجهها لي.
    وما أن انتهيت من ثورتي الغاضبة حتى أشعل سيجارة وابتسم ابتسامة المنتصر
    عندئذ عرفت أنني وقعت في المصيدة التي نصبها لي.
    عرفت أنه انتصر عليّّ. فقد استفزني إلى أقصى الحدود
    ليجعلني أظهر على حقيقتي،
    واستطاع ببضع كلمات عن أعداء مصر أن يجعلني أكشف الستر عما أخفيته.
    وهنا قال: - (رفعت) أنا فخور بك. أنت مصري أصيل.
    أطلب منك أن تخبرني شيئاً واحداً وبعدها سأعترف لك بالسبب في أنك هنا، وفي أني مهتم بك أشد الاهتمام. كيف نجحت في جعل اليهود يقبلونك كيهودي؟
    أجبت قائلاً:
    - هذه قصة طويلة، وأنا واثق من أنك لا تريد سماعها.
    وكانت إجابته:
    - جرَّب. عندي وقت طويل.
    سألته:
    - وفيم يهمك هذا؟
    قال هادئاً:
    -لأنني بحاجة إليك، وعندي عرض أريد أن أقترحه عليك.
    ربما كنت أنتظر هذه اللحظة. إذ سبق لي أن عشت أكاذيب كثيرة في حياتي، وبعد أن قضيت زمناً طويلاً وحدي مع أكاذيبي، أجدني مسروراً الآن إذ أبوح بالحقيقة إلى شخص ما. وهكذا شرعت أحكي لـ(حسن حسني) كل شيء عني منذ البداية. كيف قابلت كثيرين من اليهود في ستوديوهات السينما، وكيف تمثلت سلوكهم وعاداتهم من منطلق الاهتمام بأن أصبح ممثلاً.
    وحكيت له عن الفترة التي قضيتها في (إنجلترا) و(فرنسا) و(الولايات المتحدة الأمريكية)،
    ثم أخيراً في (مصر). بسطت له كل شيء في صدق. إنني مجرد مهرج، ومشخصاتي عاش في التظاهر ومثل كل الأدوار التي دفعته إليها الضرورة ليبلغ ما يريد في حياته. بعد أن فرغت من كلامي اتسعت ابتسامة (حسني) أكثر مما كانت وقال لي:
    - (رفعت الجمَّال)، أنت إنسان مذهل.
    لقد اكتسبت في سنوات قليلة خبرة أكبر بكثير مما اكتسبه شيوخ على مدى حياتهم.
    أنت بالضبط الشخص الذي أبحث عنه. يمكن أن نستفيد منك استفادة حقيقية
    وكان سؤالي هذه المرة:
    - ما الذي تريدني من أجله؟
    أجاب قائلاً:
    - كما قلت لك من قبل هناك مشكلات خارجية كثيرة تواجه مصر. وتوجد في مصر أيضاً رؤوس أموال ضخمة يجري تهريبها. والملاحظ أن كثيرين من الأجانب وخاصة اليهود هم الذين يتحايلون لتهريب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد. يمكنهم تحويل مبالغ بسيطة فقط بشكل قانوني، غير أنهم نظموا فرقاً تخطط وتنظم لإخراج مبالغ ضخمة من مصر واليهود هم الأكثر نشاطاً في هذا المجال.
    إن إسرائيل تأسست منذ خمس سنوات مضت، وهناك كميات ضخمة من الأموال تتجه إليها.
    ونحن ببساطة لا نستطيع تعقب حيلهم، ومن ثم فنحن نريد أن نغرس بينهم شخصاً ما، يكتسب ثقتهم ويطمئنون إليه وبذا يكتشف حيلهم في تهريب أموالهم إلى خارج البلاد، كما يكشف لنا عمن وراء ذلك كله. نريد أن نعرف كيف تعمل قنوات النقل التي يستخدمونها وكل شيء آخر له أهمية. وأنت الشخص المثالي لهذا العمل. الشخص الذي نزرعه وسطهم لابد وأن يكون يهودياً.
    ولقد استطعت إقناعهم بأنك كذلك. ما رأيك؟ هل أنت على استعداد لهذه المهمة؟
    حدقت فيه كأنه نزل إليّ من السماء. لم أشعر بالاطمئنان، ولم تكن لديّ فكرة عما أنا مزمع عمله. أوضح لي أنني أفضل فرس رهان بالنسبة له.وأضاف أنهم سوف يتولون تدريبي، وإيجاد قصة جيدة الإحكام لتكون غطاء لي، ثم يضعونني وسط المجتمع اليهودي في (الإسكندرية).
    سألته:
    - وماذا يعود عليَّ أنا من هذا؟
    - سيتم محو ماضي (رفعت الجمَّال) تماماً، ويجري إسقاط جميع الإجراءات القضائية الأولية
    لإقامة الدعاوي ضدك بسبب جوازات السفر المزورة، والبيانات الشخصية عن (علي مصطفى)، و(شارلز دينون)، و(دانييل كالدويل)، وأي أسماء أخرى سبق لك أن استعملتها، كما سيتم إسقاط أي اتهامات أخرى ضدك. وسوف تستعيد قيمة شيكاتك السياحية، أو تكتب بالاسم الذي تتخذه لنفسك وتعيش به كيهودي.
    هل نعقد الصفقة معاً؟
    عدت لأسأله:
    - هل لي حق الاختيار؟
    - من حيث المبدأ لك الخيار. فإذا كنت قد اعتدت على حياة السجن، فمن المؤكد أنك تستطيع اختيار هذا لأن السجن سيكون هو مكانك ومآلك زمناً طويلاً ما لم تسقط الاتهامات ضدك.
    - وكيف نبدأ إجراءاتنا من هنا إذا ما قبلت عرضك؟
    - سنشرع في تدريبك على الفور. سيكون تدريباً مكثفاً ويحتاج إلى زمن طويل. وسوف تكون لك شخصية جديدة وتنسى ماضيك تماماً. وما أن توضع في مكانك الجديد حتى تغدو مسؤولاً عن نفسك. لن يكون لنا دور سوى دعمك بالضرورات، ولن نتدخل إلا إذا ساءت الأمور، أو أصبح الوضع خطراً.
    جلست في مكاني أفكر في الفرص المتاحة لي،
    مدركاً ألا خيار آخر أمامي إذا لم أشأ دخول السجن، لقد أوقع بي (حسن حسني) حيث أراد لي، ولا حيلة لي إزاء ذلك. وقفت وبسطت يدي لأصافحه موافقاً وأنا أقول له:
    - حسن، أظنك أوقعت بي حيث تريد لي أن أكون. إذن لنبدأ.
    أجاب وعلى شفتيه ابتسامة:
    - أنا سعيد جداً أن أسمع هذا منك.
    وبدأت فترة تدريب مكثف. شرحوا لي أهداف الثورة وفروع علم الاقتصاد، وتعلمت سر نجاح الشركات متعددة القوميات، وأساليب إخفاء الحقائق بالنسبة لمستحقات الضرائب، ووسائل تهريب الأموال،
    وتعلمت بالإضافة إلى ذلك عادات اليهود وسلوكياتهم.وتلقيت دروساً مكثفة في اللغة العبرية كما تعلمت تاريخ اليهودفي مصر وأصول ديانتهم. وعرفت كيف أمايز بين اليهود الإشكانز(*) والسفارد(**) والشازيد(***). وحفظت عن ظهر قلب الشعائر اليهودية وعطلاتهم الدينية حتى أنني كنت أرددها وأنا نائم. وتدربت أيضاً على كيفية البقاء على قيد الحياة معتمداً على الطبيعة في حالة إذا ما اضطرتني الظروف إلى الاختفاء فترة من الزمن. وتدربت بعد هذا على جميع عادات الشرطة السرية للعمل بنجاح متخفياً. وأخيراً تقمصت شخصيتي الجديدة.
    وأصبحت منذ ذلك التاريخ (جاك بيتون) المولود في 23أغسطس عام1919 في المنصورة، من أب فرنسي وأم إيطالية. وأن أسرتي تعيش الآن في (فرنسا) بعد رحيلها عن مصر، وهي أسرة كانت لها مكانتها وميسورة الحال. وديانتي هي يهودي إشكنازي. وتسلمت وثائق تحمل اسمي الجديد والتواريخ الجديدة.
    هكذا ذكر (رفعت) الأمر، في مذكراته الشخصية..
    وهكذا انتهى (رفعت الجمَّال) رسمياً، ليولد (جاك بيتون)،الذي انتقل للعيش في (الإسكندرية)، ليقيم في حي يكثر به اليهود،ويحصل على وظيفة محترمة، في إحدى شركات التأمين..
    ورويداً رويداً بدأت ثقته في نفسه تزداد، وبدأ يتعايش كفرد من الطائفة اليهودية،التي قدمه إليها زميل الحجز السابق (ليفي سلامة)، والذي قضي معه بعض الوقت، عندما تم إلقاء القبض عليه، عند الحدود الليبية..


    وفي مذكراته هذه، يكشف لنا (رفعت الجمَّال) جانباً لم يتطرَّق إليه المسلسل التليفزيوني
    على نحو مباشر أبداً..........
    إذ تباغتنا المفاجأة بأنه قد انضمّ أثناء وجوده في (الإسكندرية)إلى الوحدة اليهودية (131)،التي أنشأها الكولونيل اليهودي (إفراهام دار)، لحساب المخابرات الحربية الإسرائيلية (أمان)،والتي شرع بعض أفرادها في القيام بعمليات تخريبية ضد بعض المنشآت الأمريكية والأجنبية على نحو يجعلها تبدو كما لو أنها من صنع بعض المنظمات التحتية المصرية،فيما عرف بعدها باسم (فضيحة لافون)،
    نسبة إلى (إسحق لافون)، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك..

    وفي الوحدة (131)، كان (رأفت) زميلاً لعدد من الأسماء التي أصبحت فيما بعد شديدة الأهمية والخطورة في عالم المخابرات والجاسوسية مثل (مارسيل نينو) و(ماكس بينيت) و(إيلي كوهين)،
    ذلك الجاسوس الذي كاد يحتلّ منصباً شديد الحساسية والخطورة بعد هذا بعدة سنوات في (سوريا) ومذكرات (رفعت) في هذا الجزء بالذات، تبدو مدهشة بحق، إذ أنها تخالف كل ما قرأناه أو تابعناه، بشأن عملية (سوزانا) أو (فضيحة لافون). إذ أنها توحي بأن كل شيء كان تحت سيطرة جهاز مكافحة الجاسوسية منذ البداية، وأن (حسن حسني)، ومن بعده (علي غالي)، الذي تولَّى أمر (رفعت)، في مرحلة تالية، كانا يتابعان نشاط الوحدة (131) طوال الوقت، وأن معلومات (رفعت) التي كان ينتزعها من قلب الوحدة، كانت سبباً أساسياً في إحباط العملية كلها وإلقاء القبض على كل المشتركين فيها..

    على الرغم من التعارض الواضح في مذكراته مع مانشر عن تفاصيل سقوط جواسيس فضيحة (لافون) فأنا -شخصياً- أكثر ميلاً لتصديق قصة (رفعت)،بل وأعتقد أن الهدف من نشر الأمر على نحو مختلف، كان حمايته بالدرجة الأولى بعدما انتقل عمله من الشرطة والبوليس السياسي إلى عالم الجاسوسية، وتطوَّر الهدف من وجوده في مرحلة تالية من العملية..

    ولقد تم إلقاء القبض على (رفعت) و (إيلي كوهين)،كأفراد في الوحدة(131)، ثم أطلق سراحهما فيما بعد لعدم وجود ما يدينهما، فاختفى بعدها (إيلي) في حين بقي (رفعت)، ليواصل الحياة لبعض الوقت، باسم (جاك بيتون)، الذي لم يتطرَّق إليه الشك حتماً، بدليل أن الإسرائيليين قد اتهموا عضواً آخر،من الوحدة (131) بكشف أسرارها، وهو (بول فرانك)، الذي حوكم بالفصل فور عودته إلى (إسرائيل)،وصدر ضده الحكم بالسجن لاثني عشر عاماً..

    وحتى ذلك الحين وكما يقول (رفعت) في مذكراته، كانت مهمته تقتصر على التجسُّس على مجتمع اليهود في (الإسكندرية) ولكن عقب نجاح عملية الوحدة (131)، تم استدعاؤه إلى (القاهرة)، ليلتقي بضابط حالته الجديد (علي غالي)، الذي واجهه لأوَّل مرة بأنه قد نجح تماماً في مهمته، وأن الخطة ستتطوَّر، لتتم الاستفادة به أكثر، خارج الحدود، خاصة وأن سمعته،كفرد سابق في الوحدة (131)، ستخدع الوكالات اليهودية، وستدفعها للتعامل معه كبطل..

    أعتقد أنه من الأروع أن نقرأ تفاصيل تلك اللحظات الحاسمة،
    من مذكرات (رفعت) مباشرة، عندما يقول:

    مرة أخرى وجدت نفسي أقف عند نقطة تحول خطيرة في حياتي. لم أكن أتصور أنني ما أزال مديناً لهم، ولكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات. فمن ناحية روعتني فكرة الذهاب إلى قلب عرين الأسد.

    فليس ثمة مكان للاختباء في (إسرائيل)، وإذا قبض عليَّ هناك فسوف يسدل الستار عليَّ نهائياً.
    والمعروف أن (إسرائيل) لا تضيع وقتاً مع العملاء الأجانب. يستجوبونهم ثم يقتلونهم. ولست مشوقاً إلى ذلك.ولكني كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمصته، كما لو كنت أمثل دوراً في السينما، وكنت قد أحببت قيامي بدور (جاك بيتون). أحببت اللعبة والفارق الوحيد هذه المرة هو أن المسرح الذي سأؤدي عليه دوري هو العالم باتساعه، وموضوع الرواية هو الجاسوسية الدولية. وقلت في نفسي أي عرض مسرحي مذهل هذا؟... لقد اعتدت دائماً وبصورة ما أن أكون مغامراً مقامراً، وأحببت مذاق المخاطرة. وتدبرت أمري في إطار هذه الأفكار، وتبين لي أن لا خيار أمامي
    . سوف أؤدي أفضل أدوار حياتي لأواجه خيارين في نهاية المطاف: إما أن يقبض عليَّ وأستجوب وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة .وكنت مقتنعاً أيضاً بأني أعمل الصواب من أجل مصر وشعبها.
    قلت لغالي:
    - إذا كنت تعتقد أنني قادر على أداء المهمة فإني لها.
    ثم كان السؤال الثاني:
    - كيف نبدأ من هنا؟
    - سوف يجري تدريبك على العمل على الساحة الدولية. كل ما تتعلمه يجب أن يسري في دمك. هذا هو سر اللعبة. أنت مخرج عرضك المسرحي، وإما أن تنجح فيه بصورة كاملة، أو تواجه الهلاك.

    تصافحنا علامة الموافقة وبدأت جولة تدريب مكثف.ودرست تاريخ اليهود الأوروبيين والصهيونية وموجات الهجرة إلى فلسطين. تعلمت كل شيء عن الأحزاب السياسية في (إسرائيل) والنقابات
    و(الهستدروت) أو اتحاد العمال، والاقتصاد والجغرافيا والطوبوغرافيا وتركيب (إسرائيل). وأصبحت خبيراً بأبرز شخصيات (إسرائيل) في السياسة والجيش والاقتصاد عن طريق دراسة أفلام نشرات الأخبار الأسبوعية. وأعقب هذا تدريب على القتال في حالات الاشتباك المتلاحم والكر والفر، والتصوير بآلات تصوير دقيقة جداً، وتحميض الأفلام وحل شفرات رسائل أجهزة الاستخبارات والكتابة بالحبر السري، ودراسة سريعة عن تشغيل الراديو، وفروع وأنماط أجهزة المخابرات والرتب والشارات العسكرية. وكذلك الأسلحة الصغيرة وصناعة القنابل والقنابل الموقوتة. وانصب اهتمام كبير على تعلم الديانة الموسوية واللغة العبرية. واعتدت أن أستمع كل يوم ولمدة ساعات إلى راديو إسرائيل.
    بل وعمدت إلى تعميق لهجتي المصرية في نطق العبرية لأنني في نهاية الأمر مولود في مصر.
    بعد التدريب تحددت لي مهنة. تقرر أن أكون وكيل مكتب سفريات حيث إن هذا سيسمح لي بالدخول إلى (إسرائيل) والخروج منها بسهولة، وتقرر أن أؤدي اللعبة لأطول مدة ممكنة. لم يكن ثمة حد زمني، وكان لي الخيار بأن أترك الأمر كله إذا سارت الأمور في طريق خطر. وسوف نرى إلى أين تمضي بنا الأمور. وقيل لي إنني أستطيع بعد ذلك العودة إلى (مصر) وأستعيد شخصيتي الحقيقية. وتسلمت مبلغ 3000 دولار أمريكي لأبدأ عملي وحياتي في (إسرائيل). وفي يونيو1956 استقللت سفينة متجهة إلى (نابولي) قاصداً في الأصل أرض الميعاد. ودعت (مصر) دون أن أدري ما سوف

    يأتي به المستقبل.
    واعتباراً من هذه المرحلة، تنقلنا مذكرات (رفعت الجمًّال)، التي تركها لزوجته بعد وفاته، إلى تلك المرحلة الجديدة تماماً من حياته،والتي سافر خلالها إلى (نابولي)، حيث التقطته الوكالة اليهودية هناك، وبذلت جهدها لإقناعه بالسفر إلى (إسرائيل)، (أرض الميعاد)، كما كانت تقول دعاياتهم بمنتهى الإلحاح أيامها..
    وفي هذا الجزء بالذات، وربما دون أن يدري (رفعت) نفسه، تتبدّى عبقرية العملية كلها، إذ لم يبد هو أية لهفة، على السفر إلى (إسرائيل)، إلا أنه لم يمانع بشدة في الوقت نفسه، وإنما جعلهم يعتقدون أنهم قد نجحوا في إقناعه، وتركهم يدفعونه إلى ظهر سفينة، حملته إلى (إسرائيل)، التي استقبله فيها رجل مخابرات يُدعى (سام شواب)، واستجوبه بعض الوقت، ثم منحه تأشيرة إقامة،
    وجواز سفر إسرائيلي فيما بعد ..
    مما يؤكِّد أن عملية المخابرات المصرية قد نجحت بالفعل.. وبمنتهى القوة..
    ويتحدَّث (رفعت الجمَّال)، في تلك المرحلة من مذكراته، عن إنشائه لمكتب سفريات (سي تورز)، في 2 شارع (برينر) في (تل أبيب)، وصداقته مع (موشي دايان)، ومحاولات (سام شوب)، التقرُّب إليه، ودفعه الفاتنة (راكيل إبشتاين) في طريقه، ومحاولاته هو لاكتساب ثقة (دايان) و(شوب)، و(عزرا وايزمان).....
    ثم ينتقل بنا فجأة إلى حدث شديد الأهمية والخطورة..
    فمع اقترابه من مواقع الأحداث، علم (رفعت) بأمر العدوان الثلاثي قبل وقوعه،وعرف الكثير من تفاصيله، وسافر إلى (روما) و(ميلانو) بالفعل،بعد ترتيبات دقيقة؛ ليلتقي برئيسه، ويخبره بكل ما لديه.. ولكن أحداً لم يصدّق، أو يقتنع بأهمية وخطورة تلك المعلومات، التي أتى بها (رفعت)، من قلب (إسرائيل)... ووقع العدوان الثلاثي.. وحدث ما حدث..
    وتساءل (رفعت): لماذا لم يصدق أحدهم تحذيره!… ولكنه لم يحصل على الجواب أبداً.. وفي عام 1957م، فوجئ (رفعت) بزيارة من (إيلي كوهين)، زميله السابق، في الوحدة (131)، الذي سعى إليه، واستعاد صداقته معه، قبل أن يبدأ مهمته، التي سافر من أجلها إلى (أمريكا الجنوبية)،
    للاندماج بمجتمع المهاجرين السوريين، تمهيداً لزرعه في (سوريا) فيما بعد، والتي ساهم (رفعت) نفسه في كشف أمرها، عندما أبلغ المخابرات المصرية، أن صورة (كامل أمين ثابت)، التي نشرتها الصحف، المصرية والسورية، إنما هي لزميله السابق، الإسرائيلي (إيلي حوفي كوهين)..
    وفي مذكراته يمضي (رفعت) في سرد حياته في (تل أبيب)، ويروي قصة اختيار مكتبه السياحي لإقامة الجسر الجوي؛ لنقل يهود (بيروت) إلى (إسرائيل)، مما يؤكِّد ثقة السلطات الإسرائيلية البالغة فيه، ويمرّ خلال هذا برواية رحلته السرية إلى (مصر)، في صيف 1958م، وبقصة الرحلة، التي أهداها إلى (إيلي كوهين) وزوجته، بمناسبة زفافهما، ثم يتوقَّف بعض الوقت؛ ليروي صداقاته وعلاقاته الوثيقة، بقادة (إسرائيل) في ذلك الوقت، ليقول في هذه الفقرة: (كثفت اتصالاتي بكل من (ديان)، و(وايزمان)، و(شواب)، ونظراً لصلة (ديان) الوثيقة بـ(بن جوريون)...
    فقد استطعت أن أكسب ثقة (بن جوريون) أيضاً، وأصبحت عضواً في مجموعة الشباب المحيطين به، إذ كان يحب أن يحيط به الشباب ويستمع لآرائهم وأفكارهم.
    أما (جولدا مائير) فكانت تتميَّز بأنها امرأة عطوف، وأبدت وداً شديداً نحوي، وكثيراً ما تساءلت بيني وبين نفسي ماذا عساهم أن يقولوا عني لو اكتشفوا حقيقتي وعرفوا أني استخدمتهم)...
    والواضح أيضاً، في هذه المرحلة من المذكرات، أن الفترة من 1959م، وحتى 1963م، لم تحمل متغيرات قوية، تستحق الإشارة إليها،إذ قفز (رفعت) بالأحداث دفعة واحدة، ليروي كيف أبلغ (مصر)
    باعتزام (إسرائيل) إجراء تجارب نووية، واختبار بعض الأسلحة التكنولوجية الحديثة، أثناء لقائه برئيسه (علي غالي) في (ميلانو)، قبل أن يطرح أوَّل مطلب له، منذ فترة طويلة..
    أوّل وأخطر مطلب..
    على الإطلاق.
    طوال فترة عمله في قلب إسرائيل لحساب المخابرات المصرية لم يتقدّم (رفعت الجمّال) بمطلب واحد للمسؤولين.. حتى كان مطلبه هذا.. أن يعود إلى (مصر) ويدفن إلى الأبد شخصية (جاك بيتون)..
    حدث هذا في يونيو1963م قبل لقائه الأوَّل بزوجته فيما بعد (فلتراود) أي أن رغبته هذه كانت تعكس حالة الإجهاد التي وصل إليها، ورغبته الحقيقية في استعادة (رفعت الجمَّال)، بهويته، وجنسيته..
    وديانته أيضاً..
    ولكن العودة لم تكن بالبساطة التي توقَّعها (رفعت) إذ لم يكن من السهل بالتأكيد، أن يختفي (جاك بيتون) هكذا فجأة من قلب (إسرائيل)، ليظهر (رفعت الجمَّال) مرة أخرى في (القاهرة) فهذا كفيل بكشف كل ما فعله طوال حياته.. ليس هذا فحسب، ولكن ستكشف -أيضا- شبكات التجسُّس التي تركها خلفه أيضاً.. وفي عالم المخابرات تعتبر هذه كارثة..وبكل المقاييس..
    كان عليه –إذن- أن يحتفظ بشخصية (جاك بيتون) لبعض الوقت وإن كان باستطاعته أن يغادر (إسرائيل)، ويرحل إلى بلد ثالث بحجة العمل أو الارتباط، حتى يفقد (الموساد) اهتمامه به،
    بعد فترة من الوقت، مما يسمح له بالعودة إلى (مصر)..
    وعند هذا الحد، تمتزج، على نحو ما، مذكرات (جاك بيتون) بمذكرات زوجته (فلتراود)، فيروي هو نفس ما روته هي من قبل، حول لقائهما، في أكتوبر 1963م، ووقوع كل منهما في حب الآخر، وزواجهما.ولكن هناك فقرة مهمة جداً، في المذكرات التي تركها (رفعت) لزوجته بعد وفاته،
    تستحق حتماً أن نتوقَّف عندها، وأن ننقلها هنا نصاً لأنها تؤكِّد نجاحه البالغ:
    (وعدنا إلى إسرائيل في أوائل يناير1964م، قدمتك إلى "جولدا مائير"، وأحبتك كثيراً، ثم اصطحبتك في زيارة إلى "بن جوريون"، في الكيبوتز الخاص به. رافقنا "ديان" في هذه الزيارة، وبعد أن استقبلك "بن جوريون" العجوز مرحباً، طلبت منك التجول في الكيبوتز إلى أن نفرغ من حديثنا أنا و"بن جوريون" و"ديان". لم يتناول نقاشنا شيئاً له أهمية كبيرة، ولكن كان لابد وأن أكون متابعاً لمسرح الأحداث)..
    إلى هذا الحد إذن كان (رفعت الجمّال) متوغّلاً، في قلب عالم الكبار في (إسرائيل)!!!
    أي نجاح يمكن أن يفوق هذا!!
    والنقطة المهمة جداً، التي ينبغي التوقف عندها، في هذه المذكرات أيضاً، هي إصرار (رفعت) الشديد، على ألا يولد ابنه في (إسرائيل)، وعلى أن تسافر زوجته لتنجبه في (ألمانيا)، حتى لا يحمل إلى الأبد الجنسية الإسرائيلية.. ورويداً رويداً، راح (رفعت) يتحلَّل من أعماله والتزاماته في (إسرائيل)، ويقوي روابطه وأعماله في (ألمانيا)، وبدأ في دراسة كل ما يتعلَّق بالنفط، الذي قرَّر أن يجعل من تجارته مصدر رزقه الأساسي، خاصة وأنه قد تقدَّم بطلب للحصول على الجنسية الألماني
    avatar
    قلب حائر


    عدد الرسائل : 17
    العمر : 34
    تاريخ التسجيل : 13/02/2009

    قصه رفعت على سليمان الجمال ( رأفت الهجان ) Empty رد: قصه رفعت على سليمان الجمال ( رأفت الهجان )

    مُساهمة من طرف قلب حائر الأربعاء مايو 11, 2011 10:53 am

    مشكووووووووور اخي ويعطيك الف عافية

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:36 pm